يقول الله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ){إبراهيم:4} أي : بلغتهم، وذلك يوضح أن كل رسول أرسل وأوحي إليه بلغة قومه حتى يفهم هو عن الوحي ويفهموا هم عنه، ولذلك بعث نبينا صلى الله عليه وسلم باللسان العربي، لأنه أرسل في العرب وهم قومه، مع أنه بعث إلى العالمين، وأما غير قومه من غير العرب فتكفيهم الترجمة.
قال ابن كثير في تفسير الآية :
( هذا من لطفه تعالى بخلقه: أنه يرسل إليهم رسلا منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم، كما قال الإمام أحمد:حدثنا وكيع، عن عمر بن ذر قال: قال مجاهد: عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يبعث الله، عز وجل، نبيا إلا بلغة قومه") انتهى.
وقال القرطبي في تفسيرها:
(وما أرسلنا من رسول) أي قبلك يا محمد (إلا بلسان قومه) أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة، وقد قال الله تعالى: " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " (2) [ سبأ: 28 ].
وقال صلى الله عليه وسلم: " أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه ".وقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ".خرجه مسلم. ( انتهى)
وقال الشوكاني في "فتح القدير" :
قيل : في هذه الآية إشكال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس جميعاً ، بل إلى الجنّ والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة .
وأجيب بأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم مرسلاً إلى الثقلين كما مرّ لكن لما كان قومه العرب ، وكانوا أخصّ به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم ، وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ، ويوضحونه حتى يصير فإهماً له كفهمهم إياه ، ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم ، وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحاً لباب التنازع؛ لأن كل أمة قد تدّعي من المعاني في لسانها ما لا يعرفه غيرها ، وربما كان ذلك أيضاً مفضياً إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التي يقع فيها المتعصبون .(انتهى).
والله أعلم.