يحتاج المسلمون كثيرا في حياتهم إلى أن يقرأوا التاريخ قراءة واعية؛ فقراءة التاريخ من أهم عوامل تكوين الشخصية ومن أهم عوامل شعور الأمة بذاتها والمسلم يستطيع من خلال قراءته للتاريخ وخاصة التاريخ الإسلامي أن يستخرج الدروس المفيدة التي قد تساعده على فهم واقعه واستشراف مستقبله فيستطيع أن يخرج بنتائج وتوقعات قد تكون قريبة من الصواب.
ومن الوقائع التي نستطيع أن نأخذ منها العبرة على سبيل المثال لا الحصر: (واقعة غزوة بني قينقاع) فهؤلاء القوم وغيرهم من اليهود في المدينة عقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة سلمية، وحرص صلى الله عليه وسلم كل الحرص على تنفيذ ما جاء في هذه المعاهدة، وبالفعل لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفاً واحداً من نصوصها.
ولكن اليهود الذين ملئوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة، وأخذوا في طريق الدس والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والاضطراب في صفوف المسلمين إلى جانب إعلانهم السافر عن الحرب بصورة غير مباشرة.
فلقد روى أبو داود وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: (يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً)، قالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وانك لم تلق مثلنا، فأنزل الله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ}... آل عمران الآيات 12 : 13.
وبعد ذلك أتوا بفعل يدل على حقارتهم وسوء نيتهم فلقد روى ابن هشام عن ابن عون: أن امرأة من العرب قدمت بجَلَب لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها – وهي غافلة – فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله – وكان يهودياَ- فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
فتلك الحادثة وغيرها مما يشابهها على مدار تاريخ اليهود تدل وبصراحة على رغبة هؤلاء الكفرة في إظهار العورات وانتشار الرذائل وخاصة بين المسلمين، ولعل هذا واضح بصورة جلية في عصرنا الحاضر فما من مكان تخرج منه نداءات وصيحات الفجر والفسق إلا وتجد وراء ذلك اليهود وأتباعهم سواء من حيث التمويل أو الفكرة أو حتى التنفيذ سواء المباشر أو غير المباشر.
فهم يريدون أن تغرق شعوب العالم كلها بصفة عامة والشعوب الإسلامية بصفة خاصة في بحار الرذيلة ومستنقع الشهوات، ولا غرو في ذلك فالكيان الصهيوني يعد من أكثر دول العالم إباحية، ولذلك فإنه يريد أن يصدر تلك الإباحية إلى شتى بقاع الأرض وخاصة بلاد المسلمين.
ولعل السر في رغبة هؤلاء اليهود وغيرهم من النصارى في نشر الفاحشة بين المسلمين هو علمهم بأنهم لن يستطيعوا أن يسيطروا على بلاد المسلمين أو يتحكموا في مقدراتها ويتدخلوا في شئونها دون أن يشغلوا شعوب تلك البلاد في الأمور التافهة وجعلهم بلا غاية عن طريق إغراقهم في الشهوات وإتاحتها لهم وجعلها غايتهم ومحل تفكيرهم.
فهم يريدون لهذه الشعوب أن تستسلم وتعلن هزيمتها وانصياعها عن طريق إبعادها عن إسلامها وفقدها لهويتها، وساعد هؤلاء على تحقيق ذلك مجموعة من الخونة والأذناب في بلاد المسلمين الذين تبنوا تلك الدعوات وجعلوها غايتهم ومحل اهتمامهم ولعل ما يدل على ذلك تلك الأقوال التي صرحوا بها وأعلنوها والتي تدل على خبثهم ومدى عدواتهم للإسلام مهما كانوا يدعون أنهم مسلمين، وقد قال أحدهم: (لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن) وقال آخر (ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة متبرجة)، ويقوا أحد شعرائهم - وهو محمد صادق الزهاوي - يخاطب المسلمة العراقية فيقول:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا وأسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه وأحرقيه بلا ريـث فقد كـان حارسـا كذابـا
وبعضهم كان يقول (كأس وغانية تفعلان بأمة محمد مالا يفعله ألف مدفع)، وفي الدلالة على النوايا الخبيثة لدى أعداء الإسلام من وراء هذه الدعوة يقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان (المرأة والحجاب): (إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي).
ومما يؤسف ويحزن أن هؤلاء اليهود والنصارى وأذنابهم في بلاد المسلمين استطاعوا أن ينجحوا في الكثير من مخططاتهم وأهدافهم فمن ينظر إلى أحوال المسلمين اليوم يلاحظ ذلك ويعاينه وإذا كان البعض سيقول أن هناك صحوة إسلامية فإني أقول له نعم هي موجودة ولكن ببطء شديد فغالبية المسلمين غثاء كغثاء السيل لا فائدة منه فمنهم من تغير فكره وأصبح متعلقا بالغرب - وهم كثرة وليسوا قلة – وأصبحوا يتمنون أن يحدث في بلادهم ما يحدث في بلاد الغرب سواء أعلنوا عن ذلك صراحة أو كانت أفعالهم تدل على ذلك.
ومنهم من أصبح يكره سماع الدين ولا يعرف عن دينه شيء، ومنهم من أصبح يشمئز عندما يقبل على عمل ما وتقول له أن الدين يقول في ذلك كذا وكذا، ومنهم من أصبح الغناء ومتابعة المسلسلات والأفلام وأخبار الممثلين والممثلات جل همه ومحل اهتمامه، ومنهم من أصبح متابعة المباريات أهم عنده من الصلاة، ومنهم ومنهم...
أمور تحزن وتبكي فبينما يخطط لنا أعداؤنا من الغرب واليهود وغيرهم ويريدون أبادتنا ما استطاعوا لذلك من سبيل بل إنهم والله يريدون تنصيرنا أو تهويدنا، وعلى الرغم من عقيدتهم الباطلة إلا إنهم يدعون لها ويبذلون لها الأموال والجهد وينشغلون بذلك أيما انشغال.
ولعل تلك الإحصائية التي طالما قرأتها أشعر بخيبة أمل على أحوال المسلمين وما وصلوا إليها ولا أعرف هل توافقوني الرأي في ذلك أم لا: - ذكرت مجلة البيان في عدد شهر جماد الأول 1421هـ.. نقلا عن المجلة الدولية للبحوث والآثار الأمريكية.. فكان مما ذكرت. (أنه قد بلغ عدد المنظمات التنصيرية عام 1990م، 21.000 إحدى وعشرين ألف منظمة.. وفي عام 1996م، ارتفع عددها إلى 45000 خمس وأربعين منظمة عاملة بالتنصير... أما عدد المنصرين داخل بلادهم فقد بلغ 000، 923، 3 ثلاثة ملاين وتسعمائة وعشرين ألف منصرا عام 1990م، وقد ارتفع عام 1996م، إلى 4.635.500 أربعة ملايين وستمائة ألف وخمسة آلاف منصر..
أما المنصرين خارج بلادهم فقد بلغ عدد عام 1990م، 250.285 أكثر من مائتين وخمسة وثمانين ألف منصر.. أما عام 1996م، فقد ارتفع العدد إلى 398000 ثلاث مائة وثمانية وتسعين ألف منصر أما المجلات فقد بلغت عام 90م، 23.800 مجلة دورية تنصيرية.. وارتفع العدد إلى 30100 ثلاثين ألف مجلة دورية.. أما المحطات فقد بلغت عام 90م 2160 ألفين ومائة وستين محطة للإذاعة والتلفزيون أما عام 96م فقد ارتفع العدد إلى 3200 ثلاثة آلاف ومأتي محطة..
وأخيرا فقد رصد لخدمة التنصير 193 بليون دولار التبرع للكنيسة و 206 مليون جهاز كمبيوتر تعمل في خدمة التنصير.. فإذا كان ذلك منذ هذه السنوات فما بالنا اليوم وقد اشتدت المعركة وأصبح الكل يريد أن ينهش من جسد الأمة المستسلمة التي نرى أفرادها واقفون يتفرجون عليها ولا أعرف ماذا ينتظرون.
وأخيرا فإن الأمة الإسلامية تحتاج ليس فقط إلى العمل بالإسلام ولكن في البداية تحتاج إلى فهم الإسلام وحقيقته فهما سليما يحافظ لنا على عقيدتنا وهويتنا بصورة تدحر أعداءنا وتصد عنا مكائدهم، فلنعد يا أخوة إلى الله لعله سبحانه وتعالى أن يزيح عنا ذلك الكرب والهم إنه على ذلك قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل.
المصادر والمراجع:
1. الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري.
2. صفحات من حياة الصحابيات للدكتور محمد طلعت عفيفي.