MsM مدير المنتدى
عدد الرسائل : 7217 العمر : 37 البلد : مصر أم الدنيا الوظيفة : Network Engineer المدينة : الأسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط تاريخ التسجيل : 06/08/2007
| موضوع: عـلي هـامش التقـرير المشـبوه! الخميس سبتمبر 20, 2007 1:09 pm | |
| لا أعرف بأي حق تعطي الولايات المتحدة لنفسها الحق في الحكم علي صحة الإلتزام بالحريات الدينية في العالم من خلال تقرير سنوي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية كل عام متجاوزة بذلك كل المنظمات الدولية, وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة التي يفترض أنها صاحبة الحق في مراقبة ومحاسبة الدول.
وربما يزيد من أهمية ما أقول به إنني أصبت بالصدمة والدهشة من التعتيم ـ شبه المتعمد ـ في معظم وسائل الإعلام العربية والمصرية علي الموقف المبدئي والشجاع الذي تعاملت به الدولة المصرية مع هذا التدخل الأمريكي السافر في أدق شئوننا الداخلية ولم ينطق أحد أو يكتب بمثل ما كانوا ينطقون ويكتبون اتهاما لمصر ـ بالباطل ـ بأنها ترضخ للضغوط الأمريكية علي عكس الحقيقة. ولعلي بداية أسجل تقديرا للموقف المصري الذي رفض هذا التقرير المشبوه شكلا وموضوعا, والتأكيد علي أن مصر لم ولن تقبل أن يكون أي شأن من شئونها الداخلية موضوع مساءلة من أحد!
والحقيقة إنني لست معنيا بتفنيد كل ما ورد بهذا التقرير المشبوه من مغالطات فجة تخفي وراءها أهدافا دنيئة وخبيثة ولكنني فقط أقول إنه بعد صدور هذا التقرير فإنه لم يعد هناك مكان لذلك السؤال الأمريكي الساذج حول ما يسمونه بحالة العداء والكراهية المتصاعدة ضدهم في العالم العربي, لأن الجواب واضح ويمكن اختصاره في عبارة موجزة هي: أن السياسة الأمريكية المتحاملة علينا والمنحازة ضدنا هي التي تصنع ظاهرة العداء والكراهية وأنها المسئولة عن تفاقمها.
إن القضية في اعتقادي أكبر من اختصارها في تقرير مشبوه أراد واضعوه أن يأخذوا ـ بغير حق ـ من الدين ستارا لمقاصد لم تعد تخفي علي أحد, ومدخلا للسعي باتجاه تعكير الصفو في أية دولة ترفض الانبطاح للسياسة الأمريكية.
وهنا يمكن لنا أن نسترجع شريطا طويلا من التقارير المشبوهة المماثلة التي كانت تحمل أحيانا اسم الديمقراطية الغائبة وتارة أخري تحمل اسم العداء للسلام والرغبة في تكريس ثقافة العنف والإرهاب!
وبادئ ذي بدء أقول إن الشعب العربي عامة والشعب المصري علي وجه الخصوص كان دائما ـ ولايزال ـ تواقا لعلاقات صداقة واحترام مع أمريكا التي تعرفنا عليها ونحن في مقتبل العمر من خلال مجلات الصداقة التي كانت تصل إلي كل من يريدها بالبريد المجاني في أي مكان علي أرض مصر, وكان محتواها يبشر بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وحق الشعوب في نيل استقلالها وتقرير مصيرها, والتخلص من كابوس الاستعمار البغيض.
لقد كانت أمريكا بالنسبة للشعوب العربية هي الحلم والرجاء وهي النموذج والقدوة خصوصا خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وحتي مطلع الستينيات عندما اكتمل حصول كل الدول العربية ـ باستثناء فلسطين ـ علي استقلالها
ولكن ـ وكما قلت لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين الذين التقيتهم في أمريكا قبل3 سنوات ـ بدأت صورة أمريكا تتغير في نظر العالم العربي منذ بداية حكم الرئيس ليندون جونسون الذي تسلم مسئولية الحكم عقب اغتيال الرئيس جون كيندي في مطلع الستينيات من القرن الماضي.
لقد بدأ العرب يفيقون تدريجيا علي الحقيقة المرة التي حولت الحلم الأمريكي إلي كابوس مزعج من شدة وفجاجة الانحياز الأمريكي لإسرائيل وعدم الاكتراث بمأساة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من أبشع أنواع الاضطهاد السياسي والانساني علي يد إسرائيل.
وأتذكر أنني قلت للدبلوماسي الأمريكي الذي التقيته يومها في جامعة هيوستن أن الشعوب العربية تضرب كفا علي كف وهي تري الهلع والذعر الأمريكي لمجرد اعتقال شخص ما في أي بلد عربي وتعتبر ذلك اغتيالا للديمقراطية وانتهاكا لحقوق الانسان ولكنها في نفس الوقت تتحول إلي كائن لايري ولا يسمع ولايتكلم ازاء ما تمارسه إسرائيل من تجاوزات ضد الشعب الفلسطيني.
وقلت له ضمن ما قلت إنكم تعلمون ـ قبل غيركم ـ إن إسرائيل حولت الأراضي الفلسطينية إلي أكبر معسكر اعتقال في العالم وأن جميع الشهادات والتقارير الدولية بما فيها تقارير المنظمات الانسانية التابعة للأمم المتحدة تؤكد أن نسبة الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل ووضعتهم داخل سجونها هي أعلي نسبة في العالم ومع ذلك فإن أمريكا لم تطرف لها عين ولم تقل كلمة واحدة ولو علي سبيل العتاب لصديقتها المدللة إسرائيل.
وقلت له أيضا إنك تعلم أكثر مني منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام1967 اعتقلت نحو750 ألف فلسطيني يشكلون ما يوازي25% من عدد الفلسطينيين المقيمين بصفة دائمة في الضفة الغربية وقطاع غزة.. فهل هذه الأرقام لم تلفت انتباه أحد من الذين يعدون التقارير السنوية في وزارة الخارجية الأمريكية عن حالة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان في دول العالم؟
وفيما يبدو فإنني لم أكن أملك معلومات كافية قبل3 سنوات لكي أدق بها علي ضمير هذا الدبلوماسي الأمريكي لأنني تلقيت أخيرا حقائق مذهلة عن أوضاع الأسري والمعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل وهي حقائق مذهلة وتمثل إهانة لصمت المجتمع الدولي كله ـ وفي المقدمة أمريكا ـ قبل أن تمثل إدانة لإسرائيل في المقام الأول.
ان إسرائيل ـ وطبقا لشهادات دولية موثقة ـ تنتهك جهارا نهارا اتفاقيات جنيف بشأن أوضاع السكان في المناطق الخاضعة للاحتلال من خلال سياسة العقوبات الجماعية والعشوائية لقمع المواطنين العزل وتكفي الاشارة إلي أن عدد من جري اعتقالهم خلال انتفاضة الأقصي قارب علي الـ50ألف معتقل ولايزال أكثر من سبعة آلاف منهم رهن الاعتقال حتي اليوم حيث يعيشون خلف القضبان في معسكرات اعتقال غير آدمية ولا يسمح لعدد كبير منهم بالالتقاء بأهلهم وذويهم.
وبدلا من أن تدين أمريكا هذه السياسات الخرقاء التي تمارسها إسرائيل بمثل ما تفعل مع أتفه الأمور في الدول العربية وتقيم الدنيا ولاتقعدها لمجرد أن يصل إلي مسامعها أن دولة عربية تجري تحقيقا جنائيا مع أحد من مواطنيها الذين يرتدون عباءة العمل السياسي أو الاجتماعي, نجد أن أمريكا لاتكتفي بالصمت علي الجرائم الإسرائيلية وإنما يصدر عنها تأييد وتشجيع صريح لما يقع من جرائم تحت دعوي حق الدفاع عن النفس تارة أو باسم استحقاقات ما يسمي بالحرب ضد الإرهاب تارة أخري!
وخلاصة القول إننا لسنا في حالة عداء مع أمريكا ولا نسعي لمثل هذا العداء ولكن المشكلة عند الذين يصرون علي أن يصدموا مشاعر العالم العربي بمثل هذا التقرير المشبوه عن الحريات الدينية ويتجاهلون منع إسرائيل للفلسطينيين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصي المبارك كما حدث يوم الجمعة الماضي ثم يفتحوا أفواههم بالدهشة ويتساءلون.. لماذا يكرهوننا!؟
وإذا انتقلت إلي المحور الثاني في حديث الأسبوع والمتعلق باتهامنا الدائم بغياب الديمقراطية والطنطنة لما يسمي بالديمقراطية الإسرائيلية فإن الحديث يطول شرحه وتتشعب أبعاده وتتضح علي السطح حقيقة الأهداف والمقاصد الأمريكية لبسط المشيئة وفرض الهيمنة ودون إدراك بأن مصر ليست مستعدة أن ترهن استقلالية قرارها السياسي بالرضا أو الغضب الأمريكي.
أريد أن أقول بوضوح ـ وعلي سبيل المثال ـ أنه في الوقت الذي تزعم فيه أمريكا أنها معنية لاحداث تغيير وإصلاحات بدول الشرق الأوسط من خلال مشروع سياسي واقتصادي وثقافي يزعم واضعوه أنه يستهدف اجتثاث جذور التيارات الأصولية التي تفرخ فصائل العنف والإرهاب وفق المنظور الأمريكي, فإن أمريكا نفسها مازالت تتعامل مع قضايا الشرق الأوسط برؤية تؤكد أنها لا تستهدف سوي مصالحها العليا من ناحية, ومصالح إسرائيل التي تجئ علي حساب الحقوق العربية من ناحية أخري.
ولعل ذلك هو سبب تشكك شعوب المنطقة ورفضها المطـلق للمشروع المسمي بـ الشرق الأوسط الجديد الذي ظلت لسنوات تتحدث عنه أمريكا, بينما ملامح المشهد السياسي العام تؤكد استمرار واشنطن في ترتيب سلم الأولويات تجاه الشرق الأوسط, وفقا لمصلحة إسرائيل, ومعطيات الرضا والغضب للجناح المتصهين المسيطر علي مطبخ صناعة القرار الأمريكي!
والحقيقة أن هذا التشكك العربي في نيات أمريكا ومقاصدها لم ينطلق أبدا من أرضية التعصب, وعدم الفهم ـ كما يزعم بعض المتأمركين ـ لكن الشكوك والهواجس العربية تنبع من الإشارات التي تصدر عن واشنطن وتؤكد العجز عن تحويل المبادرات السياسية في الشرق الأوسط إلي واقع ملموس علي الأرض إلا عبر بوابة الرضاء والقبول الإسرائيلي!
لقد ألح العرب علي أمريكا لسنوات طويلة لكي تؤدي بأمانة دور قوة التغيير لكن بشرط أن يكون الدور صادقا وإيجابيا, وتحكمه قواعد القانون الدولي, ومرجعيات الشرعية الدولية, وليس نزعات الاجبار, وأحاسيس القدرة علي فرض الشروط الإملائية التي تلبي مطامع التوسع, ورغبات الهيمنة لدي إسرائيل.
ومن الغريب أنه برغم أن أمريكا تعلم علم اليقين أن العرب ليس لهم مصلحة في العداء والتصادم معها, وأن تباين السياسات بين العرب وأمريكا ينحصر في موضوع واحد, هو فجاجة الانحياز الأمريكي لإسرائيل, وعدم مشروعية بقاء العراق تحت الاحتلال, فإن أمريكا مازالت غير راغبة في اتخاذ الخطوات الصحيحة والضرورية لكسب ود العرب من خلال تخفيف غلواء انحيازها السافر لإسرائيل, وإعطاء إشارات محددة لقرب انسحابها من العراق, وبالتالي فإن أحلام التقارب العربي ـ الأمريكي أخذة في التراجع لتحل محلها كوابيس التنافر والتباعد!
ومعني ذلك أن الأزمة الحقيقية في العلاقات العربية ـ الأمريكية ليست نابعة من داخل الشرق الأوسط الذي يتحدثون عن ضرورة تغييره.. وإنما جوهر الأزمة يكمن في مرجعية الفكر التي تحكم عقول تيار الصقور المهيمن علي مطبخ صناعة القرار الأمريكي منذ مجئ إدارة الرئيس بوش الحالية, وهي مرجعية تكاد تتطابق تماما مع توجهات اليمين المتطرف القابض علي دفة الحكم في إسرائيل.
ثم أن سبب التشكك العربي الواسع في جدية ومصداقية الطرح الأمريكي الجديد للمنطقة باسم الديمقراطية, وبلوغا إلي الوعد بإقامة دولة فلسطينية ـ وفق رؤية بوش ـ هو سجل الماضي الذي لم يشهد لأمريكا بأي قدر من الجدية والمصداقية في التعامل مع القضايا العربية بأي حد معقول, ومقبول من الحياد, وإنما السجل يكشف عن انحياز لإسرائيل يكاد يقترب ـ بل ويتساوي ـ مع العداء في بعض الأحيان.
ويزيد من حدة الشكوك في الموقف الأمريكي أن الكل في العالم العربي لديه ما يشبه اليقين بأن أمريكا قادرة علي إعادة تشكيل المنطقة بأسلوب متوازن وغير منحاز ـ لو أنها أرادت ذلك ـ لكن هذه القدرة تفتقر إلي جدية وصدق الرغبة التي لو تحققت لجعلت أمريكا هي الدولة الأكثر قبولا من ملايين العرب والمسلمين, لكن حسابات الرقم الإسرائيلي, ومعادلات اللوبي الصهيوني هي التي تحول دون ذلك!
ولعل ما يزيد من حدة ودرجة الشك والريبة في كل جوانب السياسة الأمريكية تجاه المنطقة أن العرب لم يسمعوا ولم يروا من أمريكا علي مدي أكثر من نصف قرن, وعبر مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة سوي ما يصب في خدمة إسرائيل, وينتقص من حقوق العرب حيث هناك خطاب سياسي وإعلامي ينطلق من رؤية ثابتة لاتضع الحقوق العربية ضمن بنودها, وإنما المهم هو استمرار التأكيد ـ قولا وعملا ـ علي الالتزام المطلق بحماية وضمان أمن إسرائيل
بل إن هذا الالتزام تحول في السنوات الأخيرة إلي التزام مطاط بدليل أن أمريكا بدأت تبدي تفهما يقترب من درجة القبول بحق إسرائيل في الاحتفاظ ببعض الأراضي التي احتلتها عام1967 والابقاء علي المستوطنات غير الشرعية كما ورد في وعد بوش لشارون في أبريل عام2004.
لقد بات واضحا أن ما يهم أمريكا من العرب هو استمرار السيطرة علي منابع النفط بدعوي ضرورة الاطمئنان لاستمرار تدفقه دون انقطاع وبأسعار مقبولة وتحقيق الانفراد الأمريكي الكامل بشئون المنطقة لضمان تثبيت نفوذها السياسي والاقتصادي الكامل والمنفرد, وتقليص وإنهاء أي نفوذ أجنبي آخر يتطلع إلي وضع أي قدم له في المنطقة, لكن ذلك لايتطلب من السياسة الأمريكية أن تعمل باستمرار علي زرع الشكوك بين الأنظمة العربية وبعضها البعض, بل إن ذلك المنهج امتد ـ أحيانا ـ إلي درجة زرع الشكوك بين الطوائف والقوميات والأعراق المختلفة.
وإذا كنا نسلم بأن من حق الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمي أن تبدي اهتماما بما يجري خارج حدودها, وبالذات في دوائر المصالح الدائمة مثل الشرق الأوسط, فإننا في الوقت نفسه لانسلم بحق أمريكا أو غيرها في أن تفرض علينا ما لا نقبله خصوصا عندما تقول كل الحقائق علي الأرض إن الموقف الأمريكي مثقل بالالتزامات تجاه إسرائيل, وغير عابئ بالنداءات العربية المستندة إلي قوة الشرعية الدولية.
إن علي أمريكا أن تعي أن شعوب المنطقة تتوق إلي شرق أوسط جديد ينعم بالأمن والاستقرار وتتجه دوله وشعوبه للتنمية والبناء, لكن الذي يعوق ويعطل ذلك هو إصرار إسرائيل علي إجهاض كل الجهود الدولية الرامية لاحلال سلام شامل وعادل بالمنطقة لكي تستمر أجواء التوتر والصراع التي تدفع بدول المنطقة باتجاه التسلح للدفاع عن النفس ضد الخطر الإسرائيلي, وتدفع بالتيارات المتطرفة إلي تفريخ فصائل وأجيال جديدة تمارس العنف والتطرف نتيجة شعورها بعجز المجتمع الدولي عن كبح جماح التطرف الإسرائيلي المدعوم بالحماية والرعاية الأمريكية.
إن الشرق الأوسط الجديد الذي نحلم به هو أن هذه المنطقة خالية من أي وجود عسكري أجنبي تحت أي مسمي ـ وخالية من أي أسلحة للدمار الشامل التي تتكدس في الترسانة الإسرائيلية كإحدي علامات الاستفزاز التي تثير مشاعر شعوب المنطقة من ازدواجية المعايير, وبقاء إسرائيل ـ بفضل الحماية الأمريكية ـ كحالة استثنائية لاتخضع للقانون الدولي!
تلك هي القضية قبل وبعد التقرير المشبوه عن الحريات الدينية والذي لن يكون هو التقرير الأخير طالما بقيت أصابع العبث الصهيونية قادرة علي الفعل والتأثير داخل مطبخ صناعة القرار الأمريكي!
| |
|