كثيرة هي المواقف البطولية المشرقة التي سطّرها شباب أمة الإسلام
فكم سطّروا بدمائهم أسطر التاريخ ، وتسنّموا ذُرى المجـد .
يرسمون لوحات البطولات ، ويُشيدون بناء المعالي .
ينظرون إلى دمائهم وهي تسيل على أقدامهم ولسان حالهم :
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا = ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
نفلق هاماً من رجال أعزة = علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
يتخطّون الذرى سيرا نحو المعالي ، لا يُبالون بالمصاعب ولا بالمتاعب
يصدق فيهم قول القائل :
وتخطّى الذرى ونادى رويداً = أقبلي يا صعاب أو لا تكوني
فإليك – رعاك الله – مواقف بطولية
لم تخطّها يد قـاصّ ، ولم تأتي من بُنيّات أفكار أديب
وإنما خطّتها يد الواقع ، وسطّرتها كف الحقيقة
إليك أول النماذج :
الأنموذج الأول :
ابن عمر رضي الله عنهما
صغير لم يطرّ شاربه ، ولم يبلغ الحُلُم بعد
يخرج في جيش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ، وعمره أربعة عشر عاماً ، فيُستصغر ! ثم يُـردّ .
أما هو فلم يَستصغر نفسه ، ولم يحتقر جهده .
وهو الذي هاجر ولم يحتلم .
ثم أمضى حياته بين جهاد وتعلّم وتعليم .
ولمزيد من أخباره تُنظر سيرته هنا :
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/153.htm
الموقف الثاني :
رافع وسمرة
شابان من شباب الأنصار ، أُجيز أحدهما وأُخِّـر الآخر ، فلم تطب نفسه أن يُؤخّر ويُقدّم صاحبه .
أجاز النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد رافع بن خديج رضي الله عنه وكان راميا ، وعُرض عليه سمرة فردّه ، فقال : لقد أجزت هذا ورددتني ، ولو صارعته لصرعته ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : فدونكه فصارعه ، فصرعه سمرة ، فأجازه .
أما إنه لم يفرح أن يؤخّر عن شهود القتال
ولم ينزوي يوم أن ردّه النبي صلى الله عليه وسلم مُغتنماً الفرصة
بل تطلّع وتطاول بهمّته
فلِـمَ يؤذن لِقرنه ولا يؤذن له ؟
الموقف الثالث :
الـمُـعَاذان ؟
قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : بينا أنا واقف في الصف يوم بدر ، فنظرت عن يميني وشمالي ، فإذا أنا بغلامين من الأنصار ، حديثة أسنانهما ، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عمّ هل تعرف أبا جهل . قلت : نعم . ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أُخبرت أنه يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل مِـنّـا ، فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، قلت : ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني ، فابتدراه بسيفيهما ، فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : أيكما قتله ؟ قال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا ، فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله . رواه البخاري ومسلم .
بينما عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يُحدّث نفسه بما يُحدّثها به ، ويتمنّى أن لو كان بين أضلع وأقوى وأجلد منهما ، إذ فاجآه بالسؤال !
والسؤال عمّن ؟
عن عدو الله
عن أبي جهل
حيث بلغهما أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم
إيه معاذ بن عمرو بن الجموح
إيه معاذ بن عفراء
أين أنتما ممن تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وأين أنتما ممن سب سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ؟
إن أمتنا بحاجة إلى ( معاويذ ) !
الموقف الرابع :
عمير بن سعد أخو سعد بن أبي وقاص
عمير وما عمير ؟
شاب قصير البُنية طويل الهمة
صغير العمر كبير الهمّ
فلما رُدّ بكى
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش بدر ، فَرَدّ عمير بن أبي وقاص ، فبكى عمير ، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعقد عليه حمائل سيفه . رواه الحاكم وصححه .
لقد تطاول على أطراف قدميه ليبلغ مبلغ الرجال
وليقف مواقف الرجال
الموقف الخامس :
موقف مُعاصر
قد يقول قائل كان ذلك عند أولئك
عند شباب تربّوا على يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
عند أُناس ما فُتحت عليهم زهرة الدنيا وما افتتنوا بها
عند أقوام سوق الجهاد عندهم قائمة على قدم وساق
فأقول دعني أقتطع لك من ذاكرة الأيام الخالية
ودعنا نقف على أنموذج جديد
لشاب فريد
عاش حياة الترف والنعيم
عاش مُدللاً
ربما كان من أعطر شباب المدينة !
إنه لم يجتاز العشرين
ولكنه بهمّه وهمّته جاوز الثريا
إنه شفيق ولكنه بالعدو غير رفيق !
( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )
هو شفيق المدني رحمه الله وتقبله الله في عداد الشهداء
هو الشاب الذي نشأ على حياة التّرف
ولكنه طلّقها ، كما طلّق عليٌّ رضي الله عنه الدنيا
حيث أمضى خمس سنوات متنقلاً بين الجبهات
يقول من يعرفه : تراه زاهداً في الدنيا مُعرضا عنها
ربما لا يملك من الدنيا إلا لباساً واحداً تراه عليه كلما رأيته
فماذا كانت أمنيته ؟
وكيف كانت دعوته ؟
لقد كان يُردد :
اللهم لا تجعل لي على الأرض قبرا .
ولقد استجاب الله دعاءه حيث ردّ تقدّما لجيش العدو الشيوعي في أفغانستان
فرمى الدبابات بقذائف متتالية ثم رمته ، فوافق أنه وضع القذيفة في المدفع ، فاجتمع عليه قذيفة العدو وقذيفته ، فانفجرتا لتتحقق له أمنيته
فكانت أكبر قطعة من جسده بحجم الأنملتين .
سبحان الله
كم تتعب الأجساد وتُنهك إذا كبرت النفوس !
فرحمك الله يا شفيق .
وموقف أخير :
يُحدّث به أبو إسرائيل
يقول : شهدت شاباً لم يبلغ العشرين ، وهو يُقاتِل أعداء الله في أحد جبال أفغانستان
قال : فبينما هو يُقاتل ويردّ جحافلهم في أول النهار ، إذ أُصيب برصاصة في عضده ، فربط مكان الإصابة ، ولا زال يُقاتِل حتى غربت الشمس !
فلله درّه
ولا درّ درّ أعدائه
شباب ذللوا سبل المعالي = وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتا = كريما طاب فـي الدنيا غصونا
هم وردوا الحياض مباركات = فسالت عندهم ماء معينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة = يدكّون المعاقل والحصونا
و إن جن المساء فلا تراهم = من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي = و لم يُسلم إلى الخصم العرينا
و لم تشهدهم الأقداح يوما =وقد ملئوا نواديهم مجونا
و ما عرفوا الأغاني مائعات = و لكن العلا صيغت لحونا
يا رب هيئ لنا من مثلهم نفراً = يُشيّدون لنا مجداً أضعناه